ثلاثية المحبة والألم والإيمان، إنها الثلاثية الإنسانية، فالألم هو ما نكابده مع كل خطوة بتلك الحياة، فتأتي المحبة التي يمكنها وحدها تضميد الجروح، وتسكين الألم، وإذابة العلقم، الإيمان ركيزة أساسية للإنسان، أحيانا يتوكأ عليه، وأحيانا أخرى يخشى على إيمانه كخشيته على عقله، فالفكرة لها قوة وطاقة هائلة تهبها لمن يؤمن بها، والأفكار التي تتعلق بالاعتقاد هي أقوى الأفكار. تدور الأحداث حول المراحل العمرية لبطلة القصة وراويتها يسار، الشابة الثلاثينية التي تشبه السيدة فاتن حمامة، ولا تعرف لماذا كتبتها الأقدار "يسار"، تبدأ الأحداث بيوم زفافها بإحدى حجرات الفندق الذي سيتم عقد القران به، تشعر المزينة بخبرتها الطويلة أن يسار حزينة حزن من لها حبيب وستتزوج غيره، فأصابت الهدف، لكن تمالكت يسار نفسها ورفضت أن تحكي، وفتح باب الماضي لتتذكر كل شيء، لماذا قررت أن تتزوج أحمد رغم حبها لعلي؟، ماذا تكره من أحمد؟، تذكرت معالجها النفسي، وكيف اضطرتها الحياة إليه، ظنت أنها لن تنهار كمنزل قديم، من يتصور أنه سيقول لنفسه يوم ما "أجننت يا صديقي، لم تتحمل إظلام روحك، رغم تجاوزك لسهام الحياة التي شجت قلبك"، أقدمت على الزواج من أحمد في محاولة منها للتمسك بعقلها وسوائها النفسي. بدأت مع المعالج من اليوم الأول لها في المكان الذي حدثت به الكارثة، تذكرت يوم المقابلة الأولى بشركة البترول، وكيف نالت إعجاب المدير العام الذي أجرى لها المقابلة، بما يجعلها تأمل أن الوظيفة ستكون لها، وشأن كبير بتلك الشركة ينتظرها، في طريقها لهذه المقابلة تذكرت مقابلاتها العديدة والمتتالية والفاشلة، لم ترغب في الوظيفة والمقابلات، كسرت قوالب المجتمع متخذة من النبي موسى في جرأته قدوة، وقررت أن تعمل جليسة أطفال وهي بالصف الثالث الجامعي، متأثرة بقصة ماري كوري، فحاول صاحب المنزل الاعتداء عليها، وأنقذتها العاملة البدينة مريضة السكر، لترتبط رائحة السكر في ذهنها بالأمان والأمل، جراح ضمدتها المقابلة، لتخرج منها تتذكر لمَ كل هذا؟، ومن أين كانت البداية؟! يبدأ الفصل الثاني باليوم الذي قرر فيه والدا يسار الانفصال ليذهب الأبناء الكبار مع أبيهم ويعيشون بالقاهرة، ويذهب الصغار مع أمهم ليعيشوا بالقرية ببلدة عائلتها، يسار ثالثة خمسة أخوة، لا تعرف مع من ستذهب، يتقرر أن تذهب مع والدتها للقرية، تحكي لنا عن علاقتها بجدها وجدتها وخالتها غير المتزوجة، تحكي عن الزروع الممتدة والنهر الجاري وطريق المقابر والمنازل المهجورة ورائحة الصباح، ومجتمع القرية المنغلق الذي يتدخل فيه بعضهم في حياة البعض، تعرضت لحادث غرق في نهر النيل، وبعد إنقاذها سألتها العديد من نسوة القرية هل تم ختانك؟، أخبرت والدتها وجدتها، وقررت عائلتها تبرئتها مما تلمح إليه النسوة، هذا هو المجتمع الذي اختارت يسار أن تكون على يساره.
يسار هو عنوان الرواية الواقعية، الصادرة عن منصة كتبنا للنشر الشخصي، تأليف الكاتبة هدى سعيد، تحكي لنا عن مأساة فتاة أسمها يسار رشفت من كؤس المرار، وذاقت من صنوف الألم واليأس والحزن والخوف والخزي منذ مهدها إلى يوم زفافها، رحلة طويلة مع المعاناة تبدأ من أسمها التي لا تعرف ماذا يعني هل يعني يسارا من اليسر، أم يعني ناحية واتجاه عكس اليمين، أخطأ موظف الصحة وسجلها يسار بدلا من أن يسجلها يسرى، لتأتي المحطة التالية في الرحلة وهي التي زادت من صعوبة المسار، حينما ينفصل والديها عن بعضهم ويقتسموا الأبناء فتذهب هي وأخويها الصغيرين مع أمها إلى بيت جدها في القرية، ويظل أخويها الأكبر منها مع والدها في القاهرة لتتوالى الأحداث.
