ما هو الفن و كيف يصبح حرفة للفنان؟

Apr 26, 2021

يقول الروائي الفرنسي "مارسيل بروست" إن جلال الفن الحق يكمن في إعادة اكتشاف الواقع والسيطرة عليه مرة أخرى ووضعه أمام أعينننا. فعن طريق الفن وحدة نستطيع أن نخرج من إطار ذواتنا ونعرف رأي غيرنا في هذا الكون. وبفضل الفن فإننا لا نرى عالما واحدا، وهو الخاص بنا، بل نحن نرى العالم في صور متعددة، وبقدر ما يوجد من فنانين أصلاء بقدر ما نجد تحت تصرفنا من عوالم نجد فيها من الاختلاف أكثر مما بين العوالم التي تسبح في الفضاء الغير محدود. فالفن هو إعادة تركيب صادقة للحياة، حول الحقائق الثابتة التي يجدها المرء آخر الأمر داخل نفسه. فالعمل الفني هو وسيلتنا الوحيدة لاسترجاع الزمن المفقود. لذا على الفنان وهو يدرس قوانين الفن ويجري تجاربة واكتشافاته "تلك التجارب التي لا تقل دقة عن التجارب العملية في شيء" ألا يفكر في شيء آخر غير الحقيقة الماثلة أمامه. فإن الصورة التي تقدمها لنا الحياة يمكن أن تنقل إلينا مجموعة كبيرة من الأحاسيس المتتالية "ما نطلق عليه اسم الواقع"، ما هي إلا علاقة معينة بين هذه الأحاسيس وبين الذكريات التي تثيرها في نفوسنا، وهي العلاقة الصادقة الوحدية، التي ينبغي على الكاتب أن يضع يده عليها حتى يستطيع أن يجمع عنصريها المتميزين في عبارته بصورة نهائية. إن الكاتب يستطيع أن يورد قائمة لا تنتهي بالأشياء الموجودة في المكان الذي يصفه، لكن لن تبدأ الحقيقة في الظهور إلا عندما ينتقي الكاتب موضوعين متميزين ويحدد العلاقة بينهما، وهذه العلاقة في عالم الفن تشبه تلك العلاقة المعروفة في دينا العلم: علاقة العلة بالمعلوم، ثم يربط بينها بتلك الحلقات اللازمة من الأسلوب الرفيع. قد تكون العلاقة غير ذات أهمية، وقد تكون الأشياء مألوفة ومبتذلة، وقد يكون الأسلوب ركيكا، ولكن بغير تلك العلاقة لا يكون هناك شيء. إن وصف الانطباعات لا يتطلب من الكاتب القدير أن يخترع شيئا، لأن ذلك كله موجود بالفعل في شخص كل واحد منّا، لكن المطلوب منه هو ترجمته، فواجب الكاتب ومهمته هما واجب المترجم ومهتمه. إن سلسلة الانطباعات غير الدقيقة، التي لم يعد فيها شيء من تجربتنا الواقعية، قد اختزلت ببطء وبالتدريج في ذاكرتنا، لتشكل أفكارنا وحياتنا وواقعنا، أما ما يسمى "بالفن المستد من الحياة" لن يزيد على أن يكون فنا ساذجا فقيرا لا جمال فيه مجرد تكرار لما تقع ليه أعيننا وما تلاحظة عقولنا. تحرير/ رامي أبوراية

مواضيع متعلقة

التعليقات

إضافة تعليق