انطلاقا من القاعدة الإيمانية التي ترسخها كلمات العلي القدير سبحانه، فإننا لن نقع في حبائل الجدل العقيم المبني على جهل وفراغ، ولن نرفض نقاش النظريات والرؤى المادية وتلك التي لا تعترف بوجود الله أو أنبيائه ورسله وشرائعه ولكنها قائمة على جهد بحثي علمي.
وعلى مبدأ الشك التجريبي والديكارتي الممنهج الهادف للوصول إلى الحقيقة، ليس لأننا تزكيها أو تقبل بها وإنما لأننا نحترم الجهد الفكري وإن كان في طور الشك والإنكار، ولكنه يستحق الدراسة والتبيان، كذلك لن نرفض أن نناقش الخرافة والالتباسات والاقتباسات وحتى الافتراءات في التأويل والتناول وما ذهب إليه كثير من المفكرين الماديين وأصحاب الملل من غير المسلمين وحتى من بعض غلاة المسلمين وفرقهم ومذاهبهم التي تأثرت بدون شك بفلسفات وتداخلت وتضافرت ببعض الهرطقات والخرافات بقصد أو بدس من قبل أطراف خارجية أو بتقليد أو نسخ وهذه نتيجة طبيعية لحالة التمدد للإمبراطوريات العربية شمالا وجنوبا شرقا وغربا واختلاطها بثقافات وشعوب وأمم لهم عقائدهم وموروثاتهم وطباعهم ورواياتهم ومشاكلهم، فالخرافة لا بد أن ترتكز في تأصيلها على شيء من الحقيقة والتشويه لا يكون إلا للسليم أساسه. والعطب لا يظهر إلا على المتطرف من الأغصان والورق سنبحث عن الأصل والأساس، ونحاول أن ننقب عن أصل الالتباس والخروج من حالة الجدل إلى حالة النقاش البناء الذي يحترم العقل ويصل إلى كلمة سواء. سنحاول في هذا الكتاب أن نحافظ على خط ونهج ونلتزم بأبواب وفصول، رغم صعوبة الفصل وأحيانًا استحالته، فبقدر المتعة في البحث بقدر التعقيد والتشعب والتشابك في الحضارات والتواريخ.
