مفهوم الشعر الصافي

May 11, 2021

ما هو مفهوم الشعر الصافي؟
يقول الشاعر الفرنسي "بو فاليري"
كل إنتاج من منتجات اللغة يحوي أفكارا، أو عناصر مميزة لها خصائص.
فالشعر ينشأ تأثيرة الفني حين ينحرف الكلام انحرافا معينا عن التعبير المباشر، فيؤدي بنا ههذا الانحراف إلى الانتباه بشكل ما إلى دنيا من العلاقات المتميزة عن الواقع العملي الخالص، فنرى إماكنية توسيع هذه الرقعة الفذة، ونشعر بأننا وضعنا يدنا على معدن كريم نابض بالحياة، قد يكون قادرا على التطور والنمو.
فالإحساس الشعري المستقبل يمتاز عن الأحاسيس الإنسانية الأخرى بسمة فريدة، وبخاصية رائعة، فإنه يميل إلى أن يمنحنا إحساسا بالوهم، أو يوهمنا بوجود دنيا تكون في الأحداث والصور والكائنات والأشياء حتى إذا تشابهت مع تلك التي تشغل دنيانا العادية فهي مرتبطة بحياتنا الشعورية ارتباطا شديدا، وإن لم نستطع تحديده.
وهكذا تتحول الأشياء المعروفة إلى موسيقى متآلفة ورنانة، وكمأنما ضبط نغمها مع إحساسنا، وهكذا تتشابه التجربة الشعرية في كثير مع حالة الحلم.
واللغة مهما تكن شخصية، وطريقة التفكير بالكلمات مهما تكن قريبة إلى نفوسنا، فإن لها مع ذلك أصلا نفعيا، ولها غايات عملية خالصة، ومن هنا فإن مشكلة الشاعر هي أن يستخلص من هذه الأداة العملية وسيلة لخلق عمل هو في جوهره غير عملي، فمسألة الشعر هي خلق عالم، أو نظام للأشياء، أو ترتيب لعلاقات ليس لها أدنى علاقة بالأوضاع العملية.
فمن خواص اللغة ندرة التوافق بين الصوت والمعنى، كما قد يكون من خواص الحديث، أو المقال التباين التام، فيمكن أن يكون منطقيا وخاليا من الهارمونية، ويمكن أن يكون هارمونيا وخاليا من المغزى، ويمكن أن يكون واضحا خاليا من كل جمال، ويمكن أن يكون نثرا، أو شعرا، لذلك نشأت العلوم اللغوية الكثير لاستغلال هذا التعدد، ودراسته في أوجهها الختلفة، فاللغة تخضع لعلوم الصوتيات، والعروض، والإيقاع، ولها جانبها المنطقي المتعلق بتطور معاني الكلمات، كما تضم فنون النحو والصرف والبلاغة، ودراسة هذه الجوانب الختلفة يمكن أن تجري على النص الواحد كل منها على حدى.
وهنا نجد الشاعر يواجه هذا المزيج بكل تنوعه وغناه بالإمكانات الخام الذي لا تختلط سبله، ومن هذا المزيج ينبغي للشاعر أن يستخلص هدفه الفني بتوليد الأنفعال الشعري  _من تلك الأداة العملية الخشنة التي يستخدمها كل شخص في كل لحظة من أجل قضاء الحاجات العادية_ خلال فترة علمه بالقصيدة.
فالمادة اللغوية التي تبنى منها حالة عاطفية مختارة تمتاز امتيازا واضحا عن جميع الحالات العارضة التي تتفاوت طولا وقصرا، والتي يتألف منها الكيان الحسي والنفسي لكل الناس، هي ثمرة الفوضى السائدة في الحياة العادية.
لذا على الشاعر من أجل الوصول إلى قصيدة من الشعر الصافي من كل شوائب وفوضى اللغة العملية، عليه أن يبذل جهدا جهيد في عزلته حتى يخلق نظام مصطنع ومثالي مستخدما مادة من أصل سوقي.

تحرير/ رامي أبوراية

Related Posts

Comments

Add Review