مراجعة كتاب (على حسب الريح)
لمؤلفه (خليل المصري)
سعدت أيما سعادة عندما تذكرت أيام الحرية والعفوية في التعبير عن الرأي وتذكرت أيامًا صارت حلمًا نبتغي عودتها. وكأن طيرًا قد استشعر منفذ يتلقف نسمات الحرية من خلاله، تهمس في أذنه بكلمات تحمل في طياتها عبق الذكريات. ما أجمل الذكريات حين تحسن إلينا... وما أقساها حين نشتاق لما لا يعود.
"على حسب الريح" كتاب نشر على منصة (كتبنا) للنشر الشخصي والذي كتب بأنامل الأستاذ (خليل المصري) بصدق يؤلم أحيانًا، ويضئ أحيانًا، لكنه لا يتصنع.
هو دعوة لأن نراجع الحكاية من أولها، ونرى أننا كنا أبطال حقيقيين، حتى لو لم ينتهي الفيلم.
نوع الكتاب، ملخص له :
يأتي كتاب (على حسب الريح) في شكل سيرة ذاتية أدبية، لكنه لا يكتفي بسرد حياة الكاتب، بل يوثق جانبًا من التاريخ السياسي والاجتماعي لمصر خلال العقدين الآخرين في قالب أدبي وشعوري، مزج فيه الكاتب ببراعة بين الواقعية والرمزية، والخاص و العام.
يحكي "على حسب الريح" سيرة "سامي"، الشاب المصري الذي عاش تحولات مصر من أواخر عهد مبارك مرورًا بثورة 2011، ثم ما تلاها من أحداث سياسية، وانتهاءً بمحاولات الشخصية للتعافي والمقاومة السلمية وَقد ظهر دور الحركات السلمية بفاعلية واضحة في تأليف القلوب وصنع الوعي وروح المقاومة بسلمية بين مختلف الفئات. يأتي دور "ملاك الريح" كعنصر رمزي رئيسي في الكتاب، يمثل الصوت الداخلي، والضمير، والإلهام. يرافق البطل في رحلته ويعلق على الأحداث من منظور فلسفي، مما يضفي بعدًا تأمليًا على السرد الواقعي.
أفكار الكتاب المحورية:
ركز الكتاب على قيمة السلمية في الأساس كقيمة محورية لا غنى عنها، فهي ليست شعار ثوري بقدر كونها أسلوب حياة، في مواجهة العنف ويتضح من ذلك أن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل وأن الصمود السلمي أقوى من كل أدوات القهر.
ثم ننتقل إلى أهم نقطة في الكتاب وهو تطور شخصية "سامي" التي سارت على خطين متوازيين بين تطوره الشخصي ونضجه السياسي، موضحًا كيف تتشكل القناعات، وتنضج المواقف، من خلال التجربة الحياتية لا الشعارات.
وإذا انتقلنا من تطور شخصية "سامي" إلى تطور أحداث الثورة كتحول داخلي مجتمعي نجد أن الثورة ليست فقط مشهد ميداني، بل تجربة وجدانية تعيد تشكيل الإنسان، لذلك يتضح في كتاب (على حسب الريح) أن الثورة هي صحوة داخلية تبدأ من كسر الخوف وتصل إلى إعادة تعريف الذات والعالم.
من اللفتات الرائعة التي لا يستطيع القارئ تجاهلها هي فكرة التدوين وحفظ اللحظات والمواقف التي يتآمر عليها النسيان، وتوثيق التجربة من الداخل، حتى لا تسرق السيرة كما سرقت بعض الأحلام.
أيضًا نلاحظ تركيز الكاتب على إبراز فكرة الخذلان المتكرر من المجتمع وهو عبارة عن دائرة متكررة من الأمل ثم الخذلان، لكن الكاتب لم يستسلم ويدعونا إلى كسر هذه الدائرة من خلال العمل الهادئ، البعيد عن الشعارات والانفعالات.
لغة الكتاب والاسلوب:
ننتقل الآن إلى اللغة والأسلوب، لا أنكر صراحة شعوري بالحميمية والبساطة في إيصال أفكار الكاتب عن طريق لغة عربية عامية تخاطب الجميع بدون أي تكلف بالرغم من أنها لا تخلو أيضًا من الفصحى في بعض المواقف فقد اعتمد الكاتب اللهجة العامية المصرية حين ما يناقش تفاصيل الحياة اليومية أو ينقل الحوارات والمشاعر الشخصية ثم يعود إلى الفصحي عند تأمل القضايا الكبرى. هذا التداخل يعطي النص حميمية وصدقًا.
اعتمد الكاتب في أسلوبه على ضمير المتكلم، فيروي حكايته بصدق إنساني، ما يجعل القارئ أنه يسمع القصة من فم صديق مقرب، لا من مؤلف متعالٍ.
بالرغم من الطابع الشخصي، إلا أن الكاتب لا يخلو من توثيق التواريخ والأحداث السياسية والاجتماعية المهمة، لكن بأسلوب أدبي غير جاف.
استخدم الكاتب رمزية خفية تدعى "ملاك الريح" كرمز داخلي، يمثل الحدس أو الضمير أو القوة الروحية المرافقة للبطل في رحلته، وهذا أعطى للنص طبقة تأملية وفلسفية.
التدرج الزمني في السردية يسر على القارئ شعوره بتطور الشخصية والأحداث بطريقة طبيعية ومنطقية.
إيجابيات الكتاب :
من أبرز الإيجابيات هي صدق التجربة وعمقها الإنساني تشعر من خلالها بالآلام والإلهام في آن واحد، بحس إنساني عميق، ما يجعله قريبًا من القارئ، خاصة من عايشوا نفس الحقبة أو التحديات.
وأيضًا المزج الرائع بين السيرة الذاتية والتوثيق السياسي والاجتماعي، فيقدم تجربة فردية لها أبعاد جماعية، ما يجعل النص يصلح لمخاطبة جيل بأكمله.
سلاسة اللغة وشاعريتها تزيد الأثر الوجداني للنص.
تناول القضايا المسكوت وأبرزها أثر الثورة على الفرد من الداخل وصراعات ما بعد الحلم، مثل الإحباط والتعافي.
الإخلاص لفكرة السلمية والتمسك بها رغم حجم الألم وعدم الانجرار إلى خطاب الكراهية أو الانتقام.
النقاط التطويرية في الكتاب:
في بعض المواضع، تطول الحكاية الذاتية أو التكرار الشعوري دون تطور كبير في الحدث، مما قد يبطئ من إيقاع القراءة عند القارئ غير المتعاطف كليًا مع التجربة.
أيضًا هيمنة المنظور الشخصي _رغم أنه جزء طبيعي من السيرة الذاتية_ قد لا يكون محبذًا عند القراء الباحثين عن نظرة أكثر تنوعًا أو تحليلًا موضوعيًا للأحداث السياسية.
الفئة التي يناسبها الكتاب:
الكتاب مناسب لفئة الشباب بشكل أساسي خصوصًا من عاش وعاصر أحداث ثورة يناير وما بعدها وأيضًا القراء المهتمون بالسيرة الذاتية الصادقة والمدافعون عن حقوق الأنسان والقراء الباحثون عن الأمل في ظل الخذلان.
الفئة التي قد لا يناسبها الكتاب:
الكتاب قد لا يناسب من يفضلون السرد التقليدي أو الحبكة الروائية المحكمة أو قد لا يناسب القراء غير المهتمين بالشأن المصري والثورات العربية أو حتى الذين ينفرون من الرمزية.
لذلك نجد أن هذا الكتاب يناسب القلوب المفتوحة والعقول المتأملة لأنه رسالة من جيل أحب وطنه بصدق، وخسر كثيرًا دون أن يفقد الإيمان.
بعض الاقتباسات الملهمة:
" السلام طريق قبل ما يكون غاية، السلام لازم يتعاش في الطرق والوسائل وإلا هنتوه في سكتنا، وأي حركة مصيرها من جنسها" ص95
" اتكلّمــوا طالما بتتكلّمــوا مــن قلوبكــم، اتكلّمــوا طالما بتحاولــوا تعبــرَّوا بصــدق عــن أحلامكم، وطالما جاهزيــن تكونــوا قــد كلامكم وتدفعــوا التمــن، كل كلمــة حــق فيهــا حيــاة." ص41
" أأكّــد لكــم إن كتير مــن الأصوات دي وراها عجــز عــن مواجهــة الواقــع الصعــب، ومحاولة للهروب مــن التمــن الــي لازم يتدفع، كتير مــن التخويــن والقسوة دي وراها ببســاطة منتهــى العجــز! "ص99
" صحيــح مهــم نفضــل فاكرين الأرواح الجميلــة الــي اتسرقت مننــا، والماضي داميًــا يفضــل معانــا، لكــن مهــم نكــون فاكرين إن كل روح شــهيد في أرواحنا مكملة. " ص213