رواية (على مشارف الواحة المنسية)
للكاتب (تامر يوسف)
في لحظة ما... تتوقف الحياة عن المضي للأمام، وتعرد بنا خطوة إلى الخلف، هنا تجد نفسك في خيارات محدودة، إما اتخاذ خطوة في طريق كشف الحقيقة أو الاستسلام لرتابة الحياة وترك كل شيء، هنا اختار خالد المضي قدمًا في البحث عن ذاته وعن ماضي جده القديم في رحلة تتجاوز حدود المألوف فيها مزج بين الحاضر والماضي وتقاطعات تأخذ بعقلك لحدود اللا معقول.
في رواية "على مشارف الواحة المنسية" _والتي نشرت على منصة "كتبنا" للنشر الشخصي _ يبدأ خالد، حفيد ياسمين هانم، رحلة لم يكن مستعدًا لها، ولا اختارها. رحلة بحث عن جد لم يكن كما بدا، عن وطن أوطان تسرق سُرق دون أن ندري، عن حرب لم تنتهِ في ساحاتها، بل استمرت في النفوس والبيوت و الذكريات.
تصحبنا هذه الرواية في متاهة من الواقع و الخيال. فهل كل ما نعرفه عن عائلاتنا حقيقي؟ وهل يمكن لظل ماض نازي أن يخترق حاضرًا مصريًا هشًا؟
اقرأ، واسمح لنبض الصفحات أن يوقظ فيك أسئلة لم تجرؤ على طرحها... ففي الواحة المنسية، كل شئ يبدأ حين نظن أن كل شيء قد انتهى.
النوع والتحليل:
تبدأ الرواية بالصفحه الاولى من مذكرات أدولف هيرمن لخلق جو من الاثاره و التشويق,ثم تنتقل بمشهد حزين، بسيط في الظاهر لوفاة "ياسمين هانم" الجدة صاحبة الحضور القوي والمؤثر وبرحيلها فتح على حفيدها "خالد" بابًا لرحلة غير متوقعة. أثناء فرزه لممتلكاتها، يعثر على صندوق قديم يحمل مذكرات ومتعلقات لرجل يدعى "أدولف هيرمن" وصورة شخصية لجده! ، وهوية عسكرية نازية، تاركة في عقل خالد حالة من الذهول ليندفع بالدهشة والحنين في بحث عن حقيقة جده "فاروق كامل دياب" مما يدهشنا و يلقي بنا في ذاكرة الماضي في تتبع لآثار مدفونة ومسكوت عنها بينما تتكشف لخالد تفاصيل صادمة عن أسرته، ووطنه، ونفسه.
تنتقل بنا الرواية بين زمنين : زمن الحرب الكبرى وما تبعها من انهيارات نفسية، وزمن الحاضر الذي يعيش فيه خالد عزلة وجودية خانقة.
في المقابل، يعيش خالد صراعًا آخر: كيف يتصالح مع الحقيقة؟ هل يغفر لجده؟ وهل يمكن أن يكون ن من نحبهم، من ربونا، يحملون وجوهًا لم نعرفها؟
تشابك في رواية (على مشارف الواحة المنسية) أنواع عديدة من الألوان الأدبية فهي تعد رواية بها جانب نفسي حيث ركزت على البعد النفسي لخالد وتحولاته الداخلية,أدولف وصراع الهويه وتجاوز الماضى , وأيضًا جانب التاريخ من خلال مذكرات "أدولف هيرمن" وتفاصيل حرب العلمين وسقوط النازية، ومن سماتها أيضًا الغموض وسرد بوليسي حيث بنيت الرواية على اكتشاف غامض (صندوق مذكرات) وتدفعنا نحو كشف طبقات من السر العائلي والتاريخي.
اللغة والأسلوب:
كتبت الرواية بلغة عربية فصيحة و جذابة يغلب عليها الطابع الشعري، حيث تختلط الجمل السردية بصور بلاغية فتجد الجمل محملة تصف لك الحالة النفسية و الجو الشعوري، وتتجلى الصور البصرية واللمسية والسمعية في كثير من المقاطع في لفتة رائعة من الكاتب ولا نستطيع أن نتجاهل الأسلوب والأدب الراقي المهيمن على الرواية، حيث أجاد الكاتب في توظيف التداخل بين الزمنين الماضي والحاضر أو في استدعاء الذاكرة، مما يخلق توازنًا إنسانيًا بين جلال اللغة وبساطة الحياة.
الرواية تتفوق في كسر النمطية عبر خلط التاريخ الشخصي بالعام, الغموض البوليسي يجذب القارئ، بينما العمق النفسي يجعله يتعاطف مع الشخصيات.
من الأساليب الجاذبة في الرواية تنقلها في الأزمنة بحرية : من حاضر خالد بعد وفاة جدته، إلى الماضي البعيد في الحرب، إلى ذكريات الطفولة، دون التزام بتسلسل زمني تقليدي، مما يمنحها طابعًا حداثيًا ويعكس تشوش النفس البشرية حين تواجه الصدمة.
ومما يضفي لمسة مميزة أخرى هو أسلوب الراوي المتمثل في دور المذكرة، حيث تلعب دور "نص داخل نص" مما يثري التجربة السردية.
عند قراءة الرواية لا تشعر بالإثارة الخارجية بقدر الشعور بالتوتر الهادئ والعميق فأسلوب الرواية أقرب إلى التأمل، وفي هذا التيار الأخاذ تجد ما يثري معلوماتك من إشارات وأفكار ثقافية وفلسفية وتاريخية مثل (ابن رشد، دايل كارنيغي،فريدريك الثانى، طاليس، أفلاطون، فيثاغورث...) مما يمنحك أفقًا فكريًا غنيًا.
أفكار الرواية المحورية:
من أبرز أفكار الرواية هو البحث عن الذات من خلال الذاكرة لكون خالد (الشخصية الرئيسة) لم يبحث عن ماضي جده وحسب بل ليعيد تشكيل صورته عن نفسه.
ما ناقشته الرواية أيضًا فكرة الهوية المزدوجة من خلال شخصية "فاروق دياب" أو "أدولف هيرمن" : هل يمكن للإنسان أن يعيش بشخصيتين؟ وهل الماضي يموت فعلًا؟
نقض الرواية الواضح لفظائع الحروب كجريمة ضد الإنسان والذاكرة من خلال مشاهد الحرب نجد أن الجندي النازي ليس مجرد عدو تاريخي، بل إنسان مسحوق في آلة الحرب.
ولا يخفى على القارئ أن مصر كانت مسرح للتعدد والتاريخ المنسي فهي كيان حي يختزن ذاكرة وطبقات ثقافية وتاريخية. من أحياء الاسكندريه و القاهرة إلى سيوة والعلمين، تتحول مصر إلى "واحة منسية" تحمل جراح التاريخ و عبق الحضارة معًا.
الجمهور المناسب للرواية:
الرواية تناسب كل محب للأدب الملامس للنفس، والمهتمون بالتاريخ والحروب، وكل محب للسرد والغموض.
العمر المناسب :18+
لاحتواء الرواية على قضايا وجودية وإنسانية تستلزم النضج الكافي ووجود سياقات تاريخية وسياسية تتطلب خلفية معرفية، وطرح مفاهيم متقدمة عن الحرب، الهوية، الذاكرة، والماضي.
بعض الاقتباسات الملهمة:
"بعض المفاجآت تُضفي على الحياة متعةً وإثارة، بينما تأتي أخرى كلحظات وداعٍ تنهي ما تبقى من شغف".
"الحرب.. لم تترك لي سوى جلدًا مُتدلِّيًا على عظامٍ هزيلة، صرتُ كالآلة، أخطو فوق الجثث بلا رعشة، هل هذا أنا؟ ذاك الشاب الذي كان يرقص تحت أمطار الربيع؟ الآن، مشاعري صارت كرمادٍ باردٍ".
"فتاة من كفر الجنيدي.. قرية تغفو تحت سماء ممتلئة بالتراب والنجوم، تقرأ لدوستويفسكي؟ حقًا الكلمة لا وطن لها ولا حدود تمنعها!".
"الأقدار هدايا مغلَّفة، قد تكون ورقة في كتاب تاريخ، أو عملة ذهبيَّة مدفونة، أو لقاء بامرأة تقرأ أحمد شوقي في عزبة نائية، لكنك لا تعرف قيمتها إلا حين تفتح في الوقت المناسب."
"الهوية حذاء ضيِّق يخلعه المبدعون."
"إننا اليوم لا نحاكم رجلًا عجوزًا، بل نحرق مرآة تعكس وجه الإنسانية المُشوَّه".
"الهوية معادلةٌ بمجهولَين، حلها الوحيد تدمير أحد الطرفين، لقد تخلصتُ من هويتي الألمانية يوم سلّمني شيخ البلد الهويةً المصرية!"
"من الهكسوس إلى نابليون، مرَّت قرون وهي تهمس بالسر ذاته: مصرُ كالساحرة العتيقة، تمنحك الوهمَ بأنك سيدُ نفسِك، ثم تبتلعك في رمالها القاسية، كلُّ مَن جاءها طامعًا صارَ طينًا تحت أقدام تاريخها، كل متكبرٍ حسب الأهرامات سلمًا، انتهى فتاتًا في صحراء الزمن".
"الحرب جعلتنا جميعًا قتلةً بلا أسماء".
"لولا أنَّ أنطونيوس أحب كليوباترا بهذا الجنون، ما صك هذه العملات، ولما نجوت أنا من الموت في صحاري العلمين، الحب الذي أهلكهما قبل ألفي سنة، هو نفسه الذي أنقذني"!
"أعمق ملاذٍ تبحث عنه المرأة.. قلبٌ يسمع همسَها قبل أن ينطق به لسانها".
"كل ورقة صفراء، كل صورة باهتة، ليست مجرد ماضٍ… بل باب إلى أنفسنا التي نسيناها."
"رائحة الياسمين لا تموت، فقط تتوارى خلف ضجيج الأيام."
"حين تنكسر مرآة العائلة، نرى في شظاياها ملامح لم نعرفها في أنفسنا."
"الهوية ليست بطاقة نُخرجها، بل ذاكرة نواجهها أو نهرب منها."
"حين يرحل من نحبّ، لا يأخذون معهم أجسادهم فقط… بل شيئًا من دفئنا الذي كنا نظنه لنا وحدنا."
ختامًا: لماذا تقرأ هذه الرواية؟
"في الواحة المنسية، لا يوجد ماضٍ ميت... فقط حقائق تنتظر من يكتشفها."
الرواية أكثر من رائعة وتجربة فريدة تستحق الاقتناء