سنبحر في رحلة قصيرة مع واحد من أهم أبطال الإيمان في الكتاب المقدس، وهو نوح.. "الفرد" البار في جيله. سنبحر معه في فلكه العجيب وسط مياه الطوفان الهائلة، ووسط هذه الأجواء المهيبة. نبحر في أسرار هذا الزمن السحيق، وعلى الرغم من آلاف السنين التي تفصلنا عنه. نبحر لنحاول أن نفهم كيف عاش هذا الإنسان "الفرد" كفرد مع الله، وما يُمكن أن نتعلمه نحن أيضاً من قصته لنعيش حياتنا نرضي الله. إنه "الفرد" الذي وقف "وحده" أمام عالم قد ضل وتاه. وقف "مسئولاً" أمام إلهه على الرغم من فساد الجميع. وقف مطيعاً.. صابراً.. عاملاً.. متمسكاً بعهده مع الله. لذا حَفظه الله من كل شر وجدّد معه عهده مع بني آدم. فهل نقبل أنا وأنت أيضاً أن نقف "أفراداً" مسئولين أمام إلهنا؟ وأن نكون صوته الصارخ بالحق في جيل ملتو شرير؟ وهل يقبل كل منا أن يسمع بخشوع وخوف مقدس كلمات السيد المهيبة وهي تحدثنا الآن في عصرنا هذا، وفي كل عصر قائلة: "كما كانت أيام نوح كذلك يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان" (مت24: 37)؟

هذا الكتابُ هو صرخةٌ أُقدِّمُها في مجتمعٍ وعصرٍ قد جفَّ فيه التوق الملتهب إلى الله، وتداخلتْ فيه الحقائق، وتاه الإنسانُ المسيحيّ في شبكة الحياة لاهيًا عن مصدر حياته.. الله. صرخةٌ أُقدِّمُها إلى الله، إنّما أيضًا في وجه الإنسان، مُصلّيًا أن يستفيقَ من غفلتِهِ. إنّها محاولةٌ لمساعدة الإنسان المسيحيّ أن يخطو خطوةً أقرب إلى الله في علاقة شخصيّة صادقة عمليّة، من خلال فهم العقبات وإزالة المعوّقات والطبقات السميكة، التي وضعها الإنسان (ربّما من دون أن يدري) وتفصله عن إلهه.. إزالتها واحدة تلو الأخرى بفهمٍ وحذر. سنتحدثُ عن أحجار خارجية وداخليّة تُعرقل مسيرة الإنسان المسيحيّ إلى الله. خارجيّة مثل توجّهات الأهل وقوّة ضغط المجتمع. وداخليّة مثل الانحصار في النفس، وتخفيف الحقّ، وهروب الإنسان من نفسه بالإلهاء والانشغال. وكلّها في النهاية لها تأثيرات مصيريّة على علاقة الإنسان المسيحي بالله. الإنسان الذي قد يكون موهومًا أنّه على الطريق وأنّه يعيش مع الله، ولكنّه في الحقيقة ما أبعده عن طريق المسيح. الإنسان الذي قد يحيا داخل أسوار الكنيسة أغلب حياته، ويعتبر أنّ مجرّد وجوده داخلها هو الحياة المسيحيّة، لكنّه لا يعيش أيًّا مّما يتعلّمه خارجها. لذا، فإنْ كنتَ مّمن هم في بداية الطريق.. فهذا الكتاب قد يساعدك على وضع أساسيّات سليمة ويكشفُ لك عن فخاخٍ عديدة قد تواجهها. وإنْ كنتَ من هؤلاء العطشى إلى علاقةٍ حقيقيّة "شخصيّة" مع هذا الإله الحيّ، ومن السالكين في طريقه بالفعل.. فإنَّ هذا الكتاب هو أيضًا لك ليأخذك خطوة أقرب وأكثر تدقيقًا في هذه العلاقة المصيريّة لحياتك.