سَرَدَت شهرزادُ على شهريارٍ قِصّةَ علاء الدّين والمصباح السّحري، فتناقلها الأدب العربي والعالمي حتى وصلت إلينا اليوم في شكلها الحالي، أحببناها جميعاً، وحَلُمنا في طفولتنا أن نجد المصباح وأن يخرجَ منهُ الماردُ ليحقق لنا الأمنيات، وعندما كبِرنا، وجدنا أنّ الماردَ ليس إلّا خرافةً شرقيةً نتمنى وجودها.
ولكن!
فلنُبحِرْ معاً بين صفحات هذه الرواية بعيداً عن عالمنا الفيزيائي ثلاثي الأبعاد، ونحاول الغوص في عوالمَ من أبعادٍ أُخرى.
ما سرّ هذه القصة؟ لماذا تناقلتها الأجيالُ تلو الأجيال؟ هل تظُنُّ شهرزاد حقاً أنّ هنالك ماردٌ كبيرٌ يعيش في مصباحٍ صغير؟ في العالم المادي المحسوسِ سيكون ذلك ضرباً من الجنون، أما في عالم الخيال فقد يكون الماردُ حكمةً تريدنا شهرزاد أن نعِيها بأنفسنا.
لكلٍّ منّا أحلامه الكثيرة، بعضها قد تحقّقَ وبعضها لم يتحقق، هل يعجزُ الماردُ عن تقديم المساعدة لنا أحياناً أم أنّه لا يريد فعل هذا؟ هل يُعقلُ ألّا يكون هنالِكَ ماردٌ أصلاً؟ أم أنّنا لم نفهم سرّهُ بعد؟
إنّ واحداً من أصعبِ الأمورِ التي واجهت البشرية وتواجهها وستظل لغزاً وعقبةً في طريقها هي معرفة حقيقة ما حصل في الماضي، ولكنّي سأحاول في هذه الرواية الاقترابَ من الحقيقةِ قدر الإمكان، معتمداً بذلك على وحي الحاضر اللذي يُنبِّئُنا عن مستقبلنا، ذلك المستقبلُ الّذي لا بد لبنائِهِ من هدم الماضي ونسفِهِ من جذورهِ أولاً، فلا يوجد أسمى وأجلُّ وأصدقُ من الآن ومن اللحظة المُعاشة، هذا ما تُعلِّمُنا إيّاه الحياة في كل يوم فلا وجود لبناءٍ بدونِ هدم، خاصةً إذا كان البناء عقلياً ورحياً.
أنا لا أُنكر قصّة علاء الدين الموروثة، ولكنّ علاء الدين هي قصّة كلّ شابٍ نشأ في كهفٍ ألقاه به السّحرة فنهض بوعيهِ وآمن بنفسِهِ وحطّمَ جدران الكهف وتمكّن من العثور على المصباحِ ورؤيةِ المارد فتجلّت الأمنيات والأحلام أمام عينيه، قد لا يتمكن الجميع من العثور عليه، فالمصباحَ لا يظهر إلّا في أرضٍ جميلة.
في هذا الكتاب سأعيدُ صياغةَ تاريخِنا مع علاء الدّين ونتعرف عليه بعيوننا وبعيون واقِعنا، ونعطيه حقّ الدفاعِ عن نفسهِ أمام قصةٍ أساءت له ولتاريخه وفكرِه النيّر ومسيرتهِ المشرّفة، فما هو إلّا ضحيةَ السّاحرِ الّذي ألقى به في الكهف وهنا توقفت الحكاية أما ما حصل في الكهف فهو ما رواه لنا الساحر ولا علاقة له بالحقيقة.
الرواية تدور في زمانٍ وهميٍ ومكانٍ وهمي، أحداثُها وهميةٌ من نسج الخيال، حتى لو كانت تلك الشخصيات الوهمية تشبهنا إلى حدٍ كبير. أتمنى أن تحملَ صفحات هذه الرواية في طياتها الإلهامَ للقارئ، فرغم عدم إيمانِ العديد منا على قدرة الكتاب على التغيير، إلّا أنّه كان سلاحَ الأنبياء الوحيد.