حين تصل الروح إلى أعتاب النهاية، وتبدأ اللحظة الحاسمة التي تتلاشى فيها ضوضاء الحياة، يتبدد كل ما كان يومًا يبدو مهمًا، وتنكشف الحقيقة بعريها الموجع: حياتك ليست ما امتلكته، بل ما منحته. في تلك اللحظات الصامتة التي يقف فيها الإنسان على شفا المغادرة، يطل الماضي بكل ثقله، كأنه شريط طويل يُعيد عرض كل فرصة عطاء أهدرها، وكل كلمة حب بخل بها، وكل قلب كان يمكن أن يلامسه بنور الخير لكنه مضى عنه. يصبح الندم حكاية لا تنتهي، والحزن يثقل الروح، لا على الفقد فحسب، بل على العمر الذي انسل دون أن يُخلِّف أثرًا حقيقيًا. تتضاءل الإنجازات، وتذبل المكاسب، ولا يبقى سوى السؤال الذي لا يمكن الفرار منه: هل كانت حياتك عطاءً، أم مجرد مسعى للامتلاك؟ ففي النهاية، حين يطويك التراب، لن تُحصى حياتك بما جمعت، بل بما زرعت. سيكتبك التاريخ في قلوب الناس إن كنت شعاع أمل في ظلامهم، وإن كنت يدًا تربت على أوجاعهم. لأن الإنسان، مهما علا أو قل شأنه، يُقاس في ميزان الخلود بمقدار ما أعطى، لا بما أخذ.