في هذا الكتاب، لا أتتبع الجهل كفجوة معرفية، بل كمنظومة متكاملة تُنتَج وتُعاد صياغتها سياسيًا ودينيًا واجتماعيًا وإعلاميًا. لا أعامله كعجز، بل كسلطة، لا كعرضٍ طارئ، بل كجهاز دائم يعمل على ترويض العقول، وتمييع المفاهيم، وتحويل التفاهة إلى معيار.
"فلسفة الجهل" ليست تناقضًا لغويًا، بل هي تسمية دقيقة لوصف أكثر المفارقات قسوة في عصرنا: أن ندّعي الوعي، ونحن نُدمن الخداع. أن نزعم التقدم، ونحن نُعيد إنتاج الجاهلية بثوب عصري.
في هذا العمل، أحاول أن أزيح الغبار عن مرآة العقل الجمعي، وأكشف كيف أصبح الجهل فنًا مُدارًا، ومنهجًا مبرمجًا، وأداة سلطة لا تقل فتكًا عن السلاح.
نسير معًا عبر أبواب هذا الجهل، لا لنضيع، بل لنسأل: من فتح هذه الأبواب؟ ولماذا يريدوننا أن نبقى داخلها؟
في هذا الكتاب، لن نكتفي بوصف الجهل، بل نحاول أن نفهم كيف يُصنَع، ولماذا يُراد، وكيف يُلبَّس ثوب القداسة أحيانًا، أو الحداثة أحيانًا أخرى. سنغوص في عمق الظاهرة، عبر الدين، والسياسة، والإعلام، والمجتمع، لنكشف كيف تحوّل الجهل من نقص إلى سلطة، ومن عار إلى استراتيجية.