في أوائل الثمانينات في قرية صغيرة من قرى صعيد مصر وفي منتصف الليل تسمع صوت الرياح وكأنه يتكلم في وحشة الظلام الدامس نرى سيدة تجري متجهة إلى مكان ما وكأنها مصابة بخلل أو مس من الجنون، ملابسها متسخة وكأنها لم تلمس الماء منذ زمن، تجري لشيء ما، تتعثر وتسقط بمطبات الطريق، ثم تقوم مرة أخرى وكأن شيئًا لم يكن، تجري متلهفة إلى أن وصلت للمكان وهو المقابر، تدخل وكأنه بيتها؛ لأنها تعرف طرقه وعيونها متلهفة وكأنها ذاهبة لتقابل شخصًا عزيزًا عليها من بعد فراق، حتى وصلت إلى المقبرة التي تريدها، جلست وارتاحت في جلستها، وفجأة سمعت صراخًا قويًا لرضيع أزعجها حتى سدت أذنيها بكفي يديها، وعندما رأت الطفل الرضيع يأتي إليها حبوًا رفعت يدها من على أذنيها فرحةً به ولم تبالِ بقوة صرخاته التي لا تهدأ، وأخذته في حضنها وحاولت أن ترضعه ليسكت، لكنه رفض منها أي شيء وهو لا يزال يصرخ بشدة صراخًا لا ينقطع. بكت السيدة وظلت تقبله وتحضنه وتقول: يا ضناي يا ولدي.
الصراخ كان قويًا ومزعجًا حتى سمعه كل أهل القرية وخرجوا من بيوتهم يبحثون من أين يأتي هذا الصراخ، واتجهوا بأسماعهم ناحية الصوت، وكان من ضمنهم رجل كان يجري متجهًا إلى ناحية الصوت وصل قبل أهل القرية، وعندما وصل إلى مكان الصوت شاهدوه الجميع وهو يطير في الهواء عاليًا ثم سقط على الأرض سقطة فصلت رأسه عن جسده، عندما شاهدوا أهل القرية هذا المشهد عادوا جريًا إلى بيوتهم وأغلقوا الأبواب على أنفسهم غلقًا جيدًا.